أَتاكَ الرَبيعُ الطَلقُ يَختالُ ضاحِكاً **** مِنَ الحُسنِ حَتّى كادَ أَن يَتَكَلَّما
وَقَد نَبَّهَ النَيروزُ في غَلَسِ الدُجى **** أَوائِلَ وَردٍ كُنَّ بِالأَمسِ نُوَّما
يُفَتِّقُها بَردُ النَدى فَكَأَنَّهُ **** يَبُثُّ حَديثاً كانَ أَمسِ مُكَتَّما
وَمِن شَجَرٍ رَدَّ الرَبيعُ لِباسُهُ **** عَلَيهِ كَما نَشَّرتَ وَشياً مُنَمنَما
أَحَلَّ فَأَبدى لِلعُيونِ بَشاشَةً **** وَكانَ قَذىً لِلعَينِ إِذ كانَ مُحرَما
وَرَقَّ نَسيمُ الريحِ حَتّى حَسِبتَهُ **** يَجيءُ بِأَنفاسِ الأَحِبَّةِ نُعَّما
تفتحت الزهور وظهرت على خديها قطرات الندى، تلك القطرات المتلئلئة في ظل نسمات الربيع الدافئة، وظهر ذلك اللون الاخضر البديع على أوراق الشجر، وأفاقت طيور البهجة من نومها الطويل الذي دام أشهراً طويـلة وأقبلت فراشات الربيع الملونة بألوان الطيف الرائعة، لتحوم حول الزهور وتمثل بدايه فصل تسوده البهجة والفرح.
لعيد النوروز أجواء وعادات وتقاليد خاصة به، كما أن الشعوب التي تحتفل بعيد النوروز متعددة أيضا وسنعرفكم عن بعض هذه العادات والتقاليد، فلا تدعوا فرصة التعرف على عراقة هذا العيد وعاداته وتقاليده الجميلة تفوتكم.
فالنوروز هي معرب كلمة "نوروز" التي تعني في اللغة الفارسية اليوم الجديد وهي مركبة من لفظين: أولهما (نو) اي بمعنى الجديد، وثانيهما (روز) أي اليوم، إذن فكلمة النوروز في اللغة الفارسية تأتي بمعنى "اليوم الجديد"، وأما اصطلاحاً فيطلق على عيد رأس السنة الإيرانية الذي يقع في اليوم الأول من شهر فروردين والموافق 21 آذار/مارس أول فصل الربيع.
وليس الإيرانيون وحدهم من يحتفلون بالنوروز أو ببداية العام الجديد في فصل الربيع، فهناك شعوب عدّة تحتفل بعيد النوروز ونذكر منها ايران وافغانستان وأذربيجان والعراق وتركيا وتركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان وقرغيزيا وطاجكستان، كما أن الأكراد أيضا يحتفلون بعيد النوروز في أي بلد يكونون به.
وللنوروز عادات وتقاليد وثقافات عديدة منها حملات تنظيف المنازل والأزقة وشراء الأثاث الجديد وطلاء المنازل وغيرها، وفي ليلة حلول السنة الجديدة تجتمع العائلة حول سُفرة خاصة تسمى بسفرة "هفت سين" (أي السينات السبع)، وتضم 7 مواد يبدأ اسمها بحرف "السين"، وهي: " سبزي (خضروات)، سيب (تفاح)، سنجد (تمر)، سير (ثوم)، سكة (قطعة نقد معدنية)، سركه (خل)، وسمنو (حنطة مطبوخة)".
وترمز كل من هذه المواد التي هي حاصل الأرض إلى الخير والبركة وزيادة الرزق في العام الجديد، وتتوسط السفرة نسخة من المصحف الشريف طلباً للبركة وسعة الرزق، وإلى جانبها أيضا ديوان أشعار حافظ الشيرازي للتفاؤل بقصائده، ويقوم كل فرد في الأسرة بالاستخارة عبر فتح الديوان ليرى – حسب اعتقادهم – من خلال أبيات حافظ ماذا ستخبئ له السنة الجديدة.
كما تقوم جميع الأسر الإيرانية بشراء أسماك الزينة الملونة بعدد أفراد الأسرة، وتوضع في آنية زجاجية في شرفات المنازل أو قرب النوافذ إلى جانب باقة الأزهار، ويتم الاعتناء بهذه الأسماك حتى يمر يوم الثالث عشر من أول أشهر السنة الجديدة؛ فإن ماتت السمكة قبل هذا الوقت عُد ذلك فألا سيئًا، وإن بقيت على قيد الحياة واجتازت نحس الرقم "13" ساد التفاؤل بأن الأسرة لن تفقد عزيزًا خلال هذه السنة.
ومع اقتراب لحظات دخول العام الجديد يقرأ أفراد الأسرة بصورة جماعية دعاء "يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حول حالنا إلى أحسن الحال"، كما يقومون بمزج قطع من النقود المعدنية (سكة) مع حلوى الـ(سمنو)، ونقلها من يد إلى يد طلبا للرزق.
وهناك تأثر في العالم العربي بهذا العيد العريق والجميل فقد قال الكثير من الشعراء أبياتا جميلا فيه
إذ قال الشاعر الوليد البحتري:
اتاك الربيع الطلق يختاك ضاحكا **** من الحُسن حتى كاد ان يتكلّما
وقد نبه النوروز في غسق الدجى **** اوائل ورد كُن بالامس نوما
كما قال ابن المعتز في أشعاره:
کیفَ إبتهاجُك بالنّـوروزِ یا أمَلي **** فـَکـُلّ ُ ما فیه یحکِـیني وأحکـِیــِه
فـتارة ًکـلهیبِ النـّارفي کـبــــدي **** وماؤُه کـَـتـَوالــي عـَـبـــــرَتـــي
أما الشاعر الكبير أبو تمام فقد قال:
سیقت الی الخلق فی النیروز عافیة **** بها شفاهم جدید الدهر من خلقه
كما كان للشاعر أبو نواس شعره في النوروز اذ قال:
یباکرنا النوروز فی غلس الدجی **** بنور علی الأغصان کالأنجم الزهر
من خلال هذا المرور السريع مشادينا يتضح لنا مدى تأثر الشعراء بهذا العيد وكم لهذا العيد من عراقة وأصالة.
نجدد تبريكاتنا للشعب الإيراني ولكافة الشعوي التي تحتفل بهذا العيد العريق ونتمنى لهم عاما مليئا بالخير والرزق والبركة.
بقلم حسان خضر لموقع قناة آي فيلم
ح.خ/ح.خ