خاص آي فيلم - فرزدق الأسدي: قد تكون للمتلقي أو المشاهد العام من الحضور في ورشة سينمائية للمخرج عباس كيارستمي حضوة أكبر مما يحضى بها صناع الأفلام الهواة أو شبه المحترفين.
فصناعة الأفلام ليست بالصعوبة التي تتصورون.
هذا ما يسعى وثائقي "كيارستمي والعصا المفقودة" بإخراج محمودرضا ثاني وإنتاج بهروز نشان، شرحه وبيان كيفياته. بحيث أننا نرى مترجم كيارستمي أو القائمة على الورشة أيضا يلتقطان كاميراتهم، مستجيبين للنزوة التي تدفعهم إلى تجريب تطبيق نصائح كيارستمي خطوة بعد خطوة.. وفعلا يصوران أفلاما تنال استحسان عباس كيارستمي.
أو بالأحرى فإن وثائقي "كيارستمي والعصا المفقودة" يضع سهولة صناعة الأفلام في مقدمة مفروضاته، ويتبى آنذاك شرح أن هذه السهولة كيف تتاح للمخرج وتحت أي ظروف يتم تحقيقها.
بالطبع وفي نفس الوقت فإن الوثائقي يذكـّر المخرجين الهواة أو شبه المحترفين -وحتى المحترفين منهم- بتفاصيل ذهبية وعناصر جوهرية في صناعة الأفلام.
الورشة التي أقامها عباس كيارستمي في عام 2012 في مورسيا الإسبانية، صور وقائعها محمود رضا ثاني في فيلم بمدة 90 دقيقة، وقام نفسه بمونتاجه.
ويضم الفيلم المقاطع التي صورها المخرج بنفسه من وقائع عدد من جلسات الورشة، والراشز التي التقطها كيارستمي بكاميرته اليدوية هنا وهناك وخلال فترة إقامة الورشة، إضافة إلى مقاطع من بعض الأفلام التي تمخضت عنها الورشة بشكل عام.
إحدى أهم النقاط التي يذكـّر كيارستمي بها الطلاب في هذه الورشة، هو التحدث بشكل صحيح عن الأحداث التي من المقرر أن تتضمنها أفلامهم. وكأنه يؤكد لهم أن التحدث الصحيح هذا إنما يشكل نصف المشروع. حتى أنه يقول لأحد الطلاب إنك شرحت موضوع فيلمك بقدر من الثقة بالنفس، بحيث لا يسعني إلا أن أرغب لأرى كيف نفذت ما شرحته. أو أنه ينهى طالبا آخر عن الموضوع الذي اقترحه، لأنه شرح الموضوع بتلكؤ وباستخدام المزيد من الـ"قد" و"لربما".
من التوصيات الأساسية الأخرى التي يركز عليها كيارستمي هي أن يفتح الطلاب عينهم الثالثة. فهو ينوه بأن الجميع لهم عينان ينظران بها.. لكنه يلفت إلى أن العين الثالثة هي التي ترى. فالعين الثالثة هي الوحيدة التي تكتشف القصص المخبئة في مختلف الظواهر.. أي تراها. وإن تم تفعيل العين الثالثة هذه فسوف تتاح مضامين مختارة أكثر، وهذا ما يرفع من قيمة العمل الفني عدة درجات.
رغم القيمة التي تتضمنها التقليلية (Minimalism) ذاتيا في أي عمل فني، يلفت كيارستمي انتباه الطلاب أن بإمكانهم التعاطي معها حتى كعنصر لتقليل كلفة إنتاج أفلامهم، وذلك من خلال تقليص الأكسسوار أو الأدوار أو المشاهد التي يقترح عليهم الاستعاضة عنها بالصوت مثلا، من قبيل الحوارات الهاتفية.
مادة السينما التي يقترحها كيارستمي ليست من النوع التي تتقيد بسيناريو مسبق، ويركز كيارستمي على الطلاب أن يتركوا القرار النهائي لظروف ومكان التصوير والأشخاص الذين من المقرر أن يمروا أو يحضروا أمام الكاميرا، كعنصر أساسي في تحديد نوعية المشاهد وزاوية الكاميرا وتركيبة الإطارات وما شابه ذلك.
كيارستمي لا يعترف –في هذه الورشة على الأقل- بالسينما التي لا يحضر فيها الإنسان، أي تلك التي لا تصوره. يرى كيارستمي الإنسان محورا لكل شيء في السينما. ويؤكد على الطلاب بأن يروا ويصوروا الشخصيات وهم في ظروفهم الطبيعية. حتى أنه يدخل في نقاش مع إحدى الطالبات على واقعية شخوص سيناريوها، وحين ينتبه بأنها تريد إقحام فكرة ما، ينهر الجميع بأن الفيلم ليس "مانيفست"ـا لهذه الرؤى أو تلك.
"كيارستمي والعصا المفقودة" وثيقة تعليمية مفصلة ومباشرة للأسلوب الفريد الذي أتبعه عباس كيارستمي خلال مسيرته الفنية. وبالطبع هو لا يملي ذلك الأسلوب على الطلاب في الورشة، بل إنما يطرحه كمقترح. لكنه شريحة فريدة من نوعها لرؤى عباس كيارستمي السينمائية، تسلط الضوء على زاوية مظلمة أو على الأقل غيرمرئية لحد الآن من الموروث الفكري الذي مثله كيارستمي.
ولربما كان هذا السبب في أنه ومن مدينة مورسيا بالتحديد وقبل تركها يؤكد على محمودرضا ثاني بالقول: حين عدت إلى إيران إشرع في مونتاج الفيلم بسرعة لكي يبقى ذكرى للمستقبل.